سورة الرحمن - تفسير تفسير الشوكاني

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الرحمن)


        


قوله: {الرحمن * عَلَّمَ القرءان} ارتفاع الرحمن على أنه مبتدأ، وما بعده من الأفعال أخبار له، ويجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف، أي: الله الرحمن. قال الزجاج: معنى: {عَلَّمَ القرءان} يسّره. قال الكلبي: علم القرآن محمداً، وعلمه محمد أمته، وقيل: جعله علامة لما يعبد الناس به، قيل: نزلت هذه الآية جواباً لأهل مكة حين قالوا: {إنما يعلمه بشر} [النحل: 103]، وقيل: جواباً لقولهم: وما الرحمن؟ ولما كانت هذه السورة لتعداد نعمه التي أنعم بها على عباده قدم النعمة التي هي أجلها قدراً، وأكثرها نفعاً، وأتمها فائدة، وأعظمها عائدة، وهي نعمة تعليم القرآن، فإنها مدار سعادة الدارين، وقطب رحى الخيرين، وعماد الأمرين. ثم امتنّ بعد هذه النعمة بنعمة الخلق التي هي مناط كل الأمور، ومرجع جميع الأشياء، فقال: {خَلَقَ الإنسان} ثم امتنّ ثالثاً بتعليمه البيان الذي يكون به التفاهم، ويدور عليه التخاطب، وتتوقف عليه مصالح المعاش والمعاد؛ لأنه لا يمكن إبراز ما في الضمائر، ولا إظهار ما يدور في الخلد إلاّ به قال قتادة، والحسن: المراد بالإنسان آدم، والمراد بالبيان: أسماء كلّ شيء، وقيل: المراد به: اللغات.
وقال ابن كيسان: المراد بالإنسان ها هنا: محمد صلى الله عليه وسلم، وبالبيان: بيان الحلال من الحرام، والهدى من الضلال، وهو بعيد.
وقال الضحاك: البيان: الخير والشرّ.
وقال الربيع بن أنس: هو ما ينفعه مما يضرّه، وقيل: البيان: الكتابة بالقلم. والأولى حمل الإنسان على الجنس، وحمل البيان على تعليم كلّ قوم لسانهم الذي يتكلمون به. {الشمس والقمر بِحُسْبَانٍ} أي: يجريان بحساب، ومنازل لا يعدوانها، ويدلان بذلك على عدد الشهور والسنين. قال قتادة، وأبو مالك: يجريان بحسبان في منازل لا يعدوانها، ولا يحيدان عنها.
وقال ابن زيد، وابن كيسان: يعني: أن بهما تحسب الأوقات، والآجال والأعمار، ولولا الليل والنهار، والشمس والقمر لم يدر أحد كيف يحسب؛ لأن الدهر يكون كله ليلاً أو نهاراً.
وقال الضحاك: معنى {بحسبان}: بقدر.
وقال مجاهد: بحسبان كحسبان الرحى، يعني قطبهما الذي يدوران عليه. قال الأخفش: الحسبان جماعة الحساب، مثل شهب وشهبان. وأما الحسبان بالضمّ فهو العذاب، كما مضى في سورة الكهف. {والنجم والشجر يَسْجُدَانِ} النجم: ما لا ساق له من النبات، والشجر ما له ساق. قال الشاعر:
لقد أنجم القاع الكثير عضاهه *** وتمّ به حيا تميم ووائل
وقال زهير:
مكلل بأصول النجم تنسجه *** ريح الجنوب لضاحي ما به حبك
والمراد: بسجودهما: انقيادهما لله تعالى انقياد الساجدين من المكلفين.
وقال الفراء: سجودهما: أنهما يستقبلان الشمس إذا طلعت، ثم يميلان معها حين ينكسر الفيء.
وقال الزجاج: سجودهما دوران الظل معهما، كما في قوله: {يَتَفَيَّأُ ظلاله} [النحل: 48] وقال الحسن، ومجاهد: المراد بالنجم: نجم السماء، وسجوده: طلوعه، ورجّح هذا ابن جرير. وقيل: سجوده: أفوله، وسجود الشجر: تمكينها من الاجتناء لثمارها. قال النحاس: أصل السجود الاستسلام والانقياد لله، وهذه الجملة والتي قبلها خبران آخران للرحمن، وترك الرابط فيهما لظهوره كأنه قيل: الشمس والقمر بحسبانه، والنجم والشجر يسجدان له {والسماء رَفَعَهَا} قرأ الجمهور بنصب السماء على الاشتغال. وقرأ أبو السماك بالرفع على الابتداء، والمعنى: أنه جعل السماء مرفوعة فوق الأرض {وَوَضَعَ الميزان} المراد بالميزان: العدل، أي: وضع في الأرض العدل الذي أمر به، كذا قال مجاهد، وقتادة، والسديّ، وغيرهم. قال الزجاج: المعنى: أنه أمرنا بالعدل، ويدل عليه قوله: {أَلاَّ تَطْغَوْاْ فِى الميزان} أي: لا تجاوزوا العدل.
وقال الحسن، والضحاك: المراد به: آلة الوزن ليتوصل بها إلى الإنصاف والانتصاف. وقيل: الميزان: القرآن لأن فيه بيان ما يحتاج إليه، وبه قال الحسين بن الفضل، والأوّل أولى. ثم أمر سبحانه بإقامة العدل بعد إخباره للعباد بأنه وضعه لهم، فقال: {وَأَقِيمُواْ الوزن بالقسط} أي: قوّموا وزنكم بالعدل. وقيل المعنى: أقيموا لسان الميزان بالعدل، وقيل المعنى: أنه وضع الميزان في الآخرة لوزن الأعمال، و{أن} في قوله: {أَلاَّ تَطْغَوْاْ} مصدرية، أي: لئلا تطغوا، و{لا} نافية، أي: وضع الميزان لئلا تطغوا، وقيل: هي مفسرة؛ لأن في الوضع معنى القول، والطغيان مجاوزة الحد، فمن قال: الميزان: العدل، قال: طغيانه الجور، ومن قال: الميزان: الآلة التي يوزن بها، قال: طغيانه: البخس {وَلاَ تُخْسِرُواْ الميزان} أي: لا تنقصوه، أمر سبحانه أوّلاً بالتسوية، ثم نهى عن الطغيان الذي هو المجاوزة للحد بالزيادة، ثم نهى عن الخسران الذي هو النقص والبخس. قرأ الجمهور: {تخسروا} بضم التاء، وكسر السين من أخسر، وقرأ بلال بن أبي برزة، وأبان بن عثمان، وزيد بن علي بفتح التاء، والسين من خسر، وهما لغتان، يقال: أخسرت الميزان وخسرته. ثم لما ذكر سبحانه أنه رفع السماء ذكر أنه وضع الأرض، فقال: {والأرض وَضَعَهَا لِلأنَامِ} أي: بسطها على الماء لجميع الخلق مما له روح وحياة، ولا وجه لتخصيص الأنام بالإنس والجنّ. قرأ الجمهور بنصب {الأرض} على الاشتغال، وقرأ أبو السماك بالرفع على الابتداء وجملة {فِيهَا فاكهة}: في محل نصب على أنها حال من الأرض مقدّرة، وقيل: مستأنفة لتقرير مضمون الجملة التي قبلها، والمراد بها: كل ما يتفكه به من أنواع الثمار. ثم أفرد سبحانه النخل بالذكر لشرفه، ومزيد فائدته على سائر الفواكه فقال: {والنخل ذَاتُ الأكمام} الأكمام جمع كم بالكسر، وهو وعاء التمر. قال الجوهري: والكم بالكسر، والكمامة: وعاء الطلع، وغطاء التنور، والجمع كمام وأكمة وأكمام. قال الحسن: {ذات الأكمام} أي: ذات الليف، فإن النخلة تكم بالليف، وكمامها ليفها، وقال ابن زيد: ذات الطلع قبل أن يتفتق.
وقال عكرمة: ذات الأحمال {والحب ذُو العصف والريحان} الحبّ: هو جميع ما يقتات من الحبوب والعصف. قال السديّ، والفراء: هو بقل الزرع، وهو أوّل ما ينبت به. قال ابن كيسان: يبدو أولاً ورقاً، وهو العصف، ثم يبدو له ساق، ثم يحدث الله فيه أكماماً، ثم يحدث في الأكمام الحبّ. قال الفراء: والعرب تقول: خرجنا نعصف الزرع إذا قطعوا منه قبل أن يدرك، وكذا قال الصحاح.
وقال الحسن: العَصْفُ: التبن، وقال مجاهد: هو ورق الشجر والزرع. وقيل: هو ورق الزرع الأخضر إذا قطع رأسه ويبس، ومنه قوله: {كَعَصْفٍ مَّأْكُولِ} [الفيل: 5]، وقيل: هو الزرع الكثير، يقال: قد أعصف الزرع، ومكان معصف، أي: كثير الزرع، ومنه قول أبي قيس بن الأسلت:
إذا جمادى منعت قطرها *** إن جناني عطن معصف
والريحان: الورق في قول الأكثر.
وقال الحسن، وقتادة، والضحاك، وابن زيد: إنه الريحان الذي يشم.
وقال سعيد بن جبير: هو ما قام على ساق.
وقال الكلبي: إن العصف: هو الورق الذي لا يؤكل، والريحان: هو الحب المأكول.
وقال الفراء أيضاً: العصف: المأكول من الزرع، والريحان: ما لا يؤكل، وقيل: الريحان: كل بقلة طيبة الريح. قال ابن الأعرابي: يقال: شيء ريحاني وروحاني، أي: له روح.
وقال في الصحاح: الريحان: نبت معروف، والريحان: الرزق، تقول: خرجت أبتغي ريحان الله. قال النمر بن تولب:
سلام الإله وريحانه *** ورحمته وسماء درر
وقيل: العصف: رزق البهائم، والريحان: رزق الناس. قرأ الجمهور {والحبّ ذو العصف والريحان} برفع الثلاثة عطفاً على فاكهة. وقرأ ابن عامر، وأبو حيوة، والمغيرة بنصبهما عطفاً على الأرض، أو على فعل، أي: وخلق الحبّ ذا العصف والريحان. وقرأ حمزة، والكسائي، والريحان بالجرّ عطفاً على العصف: {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} الخطاب للجنّ والإنس؛ لأن لفظ الأنام يعمهما وغيرهما، ثم خصّص بهذا الخطاب من يعقل. وبهذا قال: الجمهور من المفسرين، ويدلّ عليه قوله فيما سيأتي: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثقلان} ويدلّ على هذا ما قدّمنا في فاتحة هذه السورة أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأها على الجنّ والإنس، وقيل: الخطاب للإنس، وثناه على قاعدة العرب في خطاب الواحد بلفظ التثنية، كما قدّمنا في قوله: {أَلْقِيَا فِى جَهَنَّمَ} [ق: 24] والآلاء: النعم. قال القرطبي: وهو قول جميع المفسرين، واحدها: إلى مثل معى وعصى.
وقال ابن زيد: إنها القدرة، أي: فبأي قدرة ربكما تكذبان، وبه قال الكلبي. وكرّر سبحانه هذه الآية في هذه السورة تقريراً للنعمة، وتأكيداً للتذكير بها على عادة العرب في الاتساع. قال القتيبي: إن الله عدّد في هذه السورة نعماءه، وذكر خلقه آلاءه، ثم أتبع كل خلة وضعها بهذه الآية، وجعلها فاصلة بين كل نعمتين، لينبّههم على النعم ويقرّرهم بها، كما تقول لمن تتابع له إحسانك، وهو يكفره: ألم تكن فقيراً فأغنيتك؟ أفتنكر هذا؟ ألم تكن خاملاً فعززتك؟ أفتنكر هذا؟ ألم تكن راجلاً فحملتك؟ أفتنكر هذا؟ والتكرير حسن في مثل هذا، ومنه قول الشاعر:
لا تقتلي رجلاً إن كنت مسلمة *** إياك من دمه إياك إياك
قال الحسين بن الفضل: التكرير طرد للغفلة وتأكيد للحجة {خَلَقَ الإنسان مِن صلصال كالفخار} لما ذكر سبحانه خلق العالم الكبير، وهو السماء والأرض وما فيهما، ذكر خلق العالم الصغير، والمراد بالإنسان هنا: آدم. قال القرطبي: باتفاق من أهل التأويل، ولا يبعد أن يراد الجنس؛ لأن بني آدم مخلوقون في ضمن خلق أبيهم آدم، والصلصال: الطين اليابس الذي يسمع له صلصلة، وقيل: هو طين خلط برمل، وقيل: هو الطين المنتن، يقال: صلّ اللحم وأصلّ: إذا أنتن، وقد تقدّم بيانه في سورة الحجر، والفخار: الخزف الذي طبخ بالنار، والمعنى: أنه خلق الإنسان من طين يشبه في يبسه الخزف. {وَخَلَقَ الجان مِن مَّارِجٍ مّن نَّارٍ} يعني: خلق أبا الجنّ، أو جنس الجنّ من مارج من نار، والمارج: اللهب الصافي من النار، وقيل: الخالص منها، وقيل: لسانها الذي يكون في طرفها إذا التهبت، وقال الليث: المارج الشعلة الصادعة ذات اللهب الشديد. قال المبرد: المارج: النار المرسلة التي لا تمنع، وقال أبو عبيدة: المارج: خلط النار، من مرج إذا اختلط واضطرب. قال الجوهري: مارج من نار: نار لا دخان لها خلق منها الجانّ {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} فإنه أنعم عليكما في تضاعيف خلقكما من ذلك بنعم لا تحصى {رَبُّ المشرقين وَرَبُّ المغربين} قرأ الجمهور {ربّ} بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، أيّ: هو ربّ المشرقين والمغربين، وقيل: مبتدأ، وخبره: {مَرَجَ البحرين} وما بينهما اعتراض، والأوّل أولى، والمراد بالمشرقين: مشرقا الشتاء والصيف، وبالمغربين: مغرباهما {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} فإن في ذلك من النعم ما لا يحصى، ولا يتيسر لمن أنصف من نفسه تكذيب فرد من أفراده. {مَرَجَ البحرين يَلْتَقِيَانِ} المرج: التخلية والإرسال، يقال: مرجت الدابة: إذا أرسلتها، وأصله الإهمال، كما تمرج الدابة في المرعى، والمعنى: أنه أرسل كل واحد منهما، يلتقيان أي: يتجاوران لا فصل بينهما في مرأى العين، ومع ذلك فلم يختلطا، ولهذا قال: {بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ} أي حاجز يحجز بينهما {لاَّ يَبْغِيَانِ} أي: لا يبغي أحدهما على الآخر بأن يدخل فيه ويختلط به. قال الحسن، وقتادة: هما بحر فارس والروم.
وقال ابن جريج: هما البحر المالح والأنهار العذبة، وقيل: بحر المشرق والمغرب، وقيل: بحر اللؤلؤ والمرجان، وقيل: بحر السماء وبحر الأرض. قال سعيد بن جبير: يلتقيان في كل عام، وقيل: يلتقي طرفاهما.
وقوله: {يَلْتَقِيَانِ} في محلّ نصب على الحال من البحرين، وجملة: {بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ} يجوز أن تكون مستأنفة، وأن تكون حالاً {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} فإن هذه الآية وأمثالها لا يتيسر تكذيبها بحال {يَخْرُجُ مِنْهُمَا الُّلؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ}. قرأ الجمهور {يخرج} بفتح الياء، وضم الراء مبنياً للفاعل، وقرأ نافع، وأبو عمرو بضم الياء، وفتح الراء مبنياً للمفعول، واللؤلؤ: الدرّ، والمرجان: الخرز الأحمر المعروف.
وقال الفرّاء: اللؤلؤ: العظام، والمرجان: ما صغر. قال الواحدي وهو: قول جميع أهل اللغة.
وقال مقاتل، والسديّ، ومجاهد: اللؤلؤ: صغاره، والمرجان: كباره، وقال: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا} وإنما يخرج ذلك من المالح لا من العذب؛ لأنه إذا خرج من أحدهما، فقد خرج منهما، كذا قال الزجاج، وغيره.
وقال أبو علي الفارسي: هو من باب حذف المضاف، أي: من أحدهما كقوله: {على رَجُلٍ مّنَ القريتين عَظِيمٍ} [الزخرف: 31] وقال الأخفش: زعم قوم أنه يخرج اللؤلؤ من العذب، وقيل: هما بحران يخرج من أحدهما اللؤلؤ، ومن الآخر المرجان، وقيل: هما بحر السماء وبحر الأرض، فإذا وقع ماء السماء في صدف البحر انعقد لؤلؤاً، فصار خارجاً منهما: {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} فإن في ذلك من الآيات ما لا يستطيع أحد تكذيبه، ولا يقدر على إنكاره {وَلَهُ الجوار المنشآت فِى البحر كالأعلام} المراد بالجوار: السفن الجارية في البحر، والمنشآت: المرفوعات التي رفع بعض خشبها على بعض وركب حتى ارتفعت، وطالت حتى صارت في البحر كالأعلام وهي الجبال، والعلم: الجبل الطويل.
وقال قتادة: المنشآت المخلوقات للجري.
وقال الأخفش: المنشآت: المجريات، وقد مضى بيان الكلام في هذا في سورة الشورى. قرأ الجمهور {الجوار} بكسر الراء وحذف الياء لالتقاء الساكنين، وقرأ ابن مسعود، والحسن، وأبو عمرو في رواية عنه برفع الراء تناسياً للحذف، وقرأ يعقوب بإثبات الياء، وقرأ الجمهور {المنشآت} بفتح الشين، وقرأ حمزة، وأبو بكر في رواية عنه بكسر الشين {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} فإن ذلك من الوضوح والظهور بحيث لا يمكن تكذيبه، ولا إنكاره.
وقد أخرج الفريابي، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله: {الشمس والقمر بِحُسْبَانٍ} قال: بحساب ومنازل يرسلان.
وأخرج الفريابي، وابن أبي حاتم عنه {والأرض وَضَعَهَا لِلأنَامِ} قال: للناس.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه أيضاً قال: للخلق.
وأخرج ابن جرير عنه أيضاً قال: كل شيء فيه روح.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه أيضاً {والنخل ذَاتُ الأكمام} قال: أوعية الطلع.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عنه أيضاً في قوله: {والحب ذُو العصف} قال: التبن {والريحان} قال: خضرة الزرع.
وأخرج ابن جرير عنه أيضاً قال: {العصف} ورق الزرع إذا يبس {والريحان} ما أنبتت الأرض من الريحان الذي يشمّ.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه أيضاً قال: {العصف} الزرع أوّل ما يخرج بقلاً {والريحان} حين يستوي على سوقه، ولم يسنبل.
وأخرج ابن جرير عنه أيضاً قال: كلّ ريحان في القرآن فهو رزق.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه أيضاً: {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} قال: يعني: بأيّ نعمة الله.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عنه أيضاً في الآية قال: يعني الجنّ والإنس.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عنه أيضاً {مِن مَّارِجٍ مّن نَّارٍ} قال: من لهب النار.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه أيضاً في الآية قال: خالص النار.
وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه أيضاً في قوله: {رَبُّ المشرقين وَرَبُّ المغربين} قال: للشمس مطلع في الشتاء ومغرب في الشتاء، ومطلع في الصيف ومغرب في الصيف، غير مطلعها في الشتاء وغير مغربها في الشتاء.
وأخرج ابن أبي حاتم عنه في الآية قال: مشرق الفجر ومشرق الشفق، ومغرب الشمس ومغرب الشفق.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه أيضاً في قوله: {مَرَجَ البحرين يَلْتَقِيَانِ} قال: أرسل البحرين {بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ} قال: حاجز {لاَّ يَبْغِيَانِ} لا يختلطان.
وأخرج ابن جرير عنه أيضاً قال: بحر السماء وبحر الأرض.
وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً {بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَّ يَبْغِيَانِ} قال: بينهما من البعد ما لا يبغي كل واحد منهما على صاحبه.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه أيضاً في قوله: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا الُّلؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ} قال: إذا مطرت السماء فتحت الأصداف في البحر أفواهها، فما وقع فيها من قطر السماء فهو اللؤلؤ.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن عليّ بن أبي طالب قال: المرجان: عظام اللؤلؤ.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: اللؤلؤ: ما عظم منه، والمرجان: اللؤلؤ الصغار.
وأخرج عبد الرزاق، والفريابي، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، والطبراني عن ابن مسعود قال: المرجان: الخرز الأحمر.


قوله: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} أي: كل من على الأرض من الحيوانات هالك، وغلب العقلاء على غيرهم، فعبر عن الجميع بلفظ من، وقيل: أراد من عليها من الجنّ والإنس {ويبقى وَجْهُ رَبّكَ ذُو الجلال والإكرام} الوجه عبارة عن ذاته سبحانه ووجوده، وقد تقدّم في سورة البقرة بيان معنى هذا، وقيل: معنى {ويبقى وَجْهُ رَبّكَ} تبقى حجته التي يتقرّب بها إليه، والجلال: العظمة والكبرياء، واستحقاق صفات المدح، يقال: جلّ الشيء، أي: عظم، وأجللته، أي: أعظمته، وهو اسم من جلّ. ومعنى ذو الإكرام: أنه يكرم عن كل شيء لا يليق به، وقيل: إنه ذو الإكرام لأوليائه، والخطاب في قوله: {ربك} للنبيّ صلى الله عليه وسلم، أو لكل من يصلح له، قرأ الجمهور: {ذو الجلال} على أنه صفة لوجه، وقرأ أبيّ، وابن مسعود: {ذي الجلال} على أنه صفة لربّ. {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} وجه النعمة في فناء الخلق أن الموت سبب النقلة إلى دار الجزاء والثواب.
وقال مقاتل: وجه النعمة في فناء الخلق التسوية بينهم في الموت، ومع الموت تستوي الأقدام. {يَسْأَلُهُ مَن فِى السموات والأرض} أي: يسألونه جميعاً؛ لأنهم محتاجون إليه لا يستغني عنه أحد منهم. قال أبو صالح: يسأله أهل السموات المغفرة، ولا يسألونه الرزق، وأهل الأرض يسألونه الأمرين جميعاً.
وقال مقاتل: يسأله أهل الأرض الرزق والمغفرة، وتسأل لهم الملائكة أيضاً الرزق والمغفرة، وكذا قال ابن جريج. وقيل: يسألونه الرحمة. قال قتادة: لا يستغني عنه أهل السماء، ولا أهل الأرض. والحاصل أنه يسأله كل مخلوق من مخلوقاته بلسان المقال، أو لسان الحال ما يطلبونه من خيري الدارين، أو من خيري إحداهما {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِى شَأْنٍ} انتصاب كل بالاستقرار الذي تضمنه الخبر، والتقدير: استقر سبحانه في شأن كل وقت من الأوقات، واليوم عبارة عن الوقت، والشأن هو الأمر، ومن جملة شؤونه سبحانه إعطاء أهل السموات والأرض ما يطلبونه منه على اختلاف حاجاتهم، وتباين أغراضهم. قال المفسرون: من شأنه أنه يحيي ويميت. ويرزق ويفقر. ويعزّ ويذلّ، ويمرض ويشفي، ويعطي ويمنع. ويغفر ويعاقب، إلى غير ذلك مما لا يحصى. وقيل: المراد باليوم المذكور: هو يوم الدنيا ويوم الآخرة، قال ابن بحر: الدّهر كله يومان: أحدهما مدّة أيام الدنيا، والآخر يوم القيامة، وقيل: المراد: كل يوم من أيام الدنيا {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} فإن اختلاف شؤونه سبحانه في تدبير عباده نعمة لا يمكن جحدها، ولا يتيسر لمكذّب تكذيبها {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثقلان} هذا وعيد شديد من الله سبحانه للجنّ والإنس. قال الزجاج، والكسائي، وابن الأعرابي، وأبو علي الفارسي: إن الفراغ ها هنا ليس هو الفراغ من شغل، ولكن تأويله القصد، أي: سنقصد لحسابكم.
قال الواحدي حاكياً عن المفسرين: إن هذا تهديد منه سبحانه لعباده، ومن هذا قول القائل لمن يريد تهديده: إذن أتفرغ لك، أي: أقصد قصدك، وفرغ يجيء بمعنى قصد، وأنشد ابن الأنباري قول الشاعر:
الآن وَقَدْ فَرَغْتُ إلى نُميَرٍ *** فهذا حينَ كُنْتُ له عَذَاباً
يريد: وقد قصدت، وأنشد النحاس قول الشاعر:
فرغت إلى العبد المقيد في الحجل ***
أي: قصدت، وقيل: إن الله سبحانه وعد على التقوى، وأوعد على المعصية، ثم قال: سنفرغ لكم مما وعدناكم، ونوصل كلاً إلى ما وعدناه، وبه قال الحسن، ومقاتل، وابن زيد، ويكون الكلام على طريق التمثيل. قرأ الجمهور: {سنفرغ} بالنون وضمّ الراء، وقرأ حمزة والكسائي بالتحتية مفتوحة مع ضم الرّاء، أي: سيفرغ الله، وقرأ الأعرج بالنون مع فتح الراء. قال الكسائي: هي لغة تميم، وقرأ عيسى الثقفي بكسر النون وفتح الراء، وقرأ الأعمش وإبراهيم بضمّ الياء وفتح الراء على البناء للمفعول، وسمي الجنّ والإنس ثقلين لعظم شأنهما بالنسبة إلى غيرهما من حيوانات الأرض، وقيل: سموا بذلك لأنهم ثقل على الأرض أحياءً، وأمواتاً كما في قوله: {وَأَخْرَجَتِ الأرض أَثْقَالَهَا} [الزلزلة: 2] وقال جعفر الصادق: سميا ثقلين لأنهما مثقلان بالذنوب، وجمع في قوله: {لَكُمْ} ثم قال: {أَيُّهَ الثقلان}؛ لأنهما فريقان، وكل فريق جمع. قرأ الجمهور: {أيه الثقلان} بفتح الهاء، وقرأ أهل الشام بضمها. {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} فإن من جملتها ما في هذا التهديد من النعم، فمن ذلك أنه ينزجر به المسيء عن إساءته، ويزداد به المحسن إحساناً، فيكون ذلك سبباً للفوز بنعيم الدار الآخرة الذي هو النعيم في الحقيقة {يا معشر الجن والإنس} قدّم الجنّ هنا لكون خلق أبيهم متقدّماً على خلق آدم، ولوجود جنسهم قبل جنس الإنس {إِنِ استطعتم أَن تَنفُذُواْ مِنْ أقطار السموات والأرض} أي: إن قدرتم أن تخرجوا من جوانب السموات والأرض، ونواحيهما هرباً من قضاء الله وقدره {فانفذوا} منها، وخلصوا أنفسكم، يقال: نفذ الشيء من الشيء: إذا خلص منه، كما يخلص السهم {لاَ تَنفُذُونَ إِلاَّ بسلطان} أي: لا تقدرون على النفوذ إلاّ بقوّة وقهر، ولا قوّة لكم على ذلك ولا قدرة، والسلطان: القوّة التي يتسلط بها صاحبها على الأمر، والأمر بالنفوذ: أمر تعجيز. قال الضحاك: بينما الناس في أسواقهم إذ انفتحت السماء، ونزلت الملائكة فهرب الجنّ، والإنس، فتحدق بهم الملائكة، فذلك قوله: {لاَ تَنفُذُونَ إِلاَّ بسلطان}. قال ابن المبارك: إن ذلك يكون في الآخرة.
وقال الضحاك أيضاً: معنى الآية: إن استطعتم أن تهربوا من الموت، فاهربوا. وقيل: إن استطعتم أن تعلموا ما في السموات والأرض، فاعلموه ولن تعلموه إلاّ بسلطان، أي: ببينة من الله.
وقال قتادة: معناها لا تنفذوا إلاّ بملك، وليس لكم ملك. وقيل: الباء بمعنى إلى أي: لا تنفذون إلاّ إلى سلطان {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} ومن جملتها هذه النعمة الحاصلة بالتحذير والتهديد، فإنها تزيد المحسن إحساناً، وتكفّ المسيء عن إساءته، مع أن من حذّركم وأنذركم قادر على الإيقاع بكم من دون مهلة. {يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مّن نَّارٍ} قرأ الجمهور: {يرسل} بالتحتية مبنياً للمفعول، وقرأ زيد بن عليّ بالنون ونصب {شواظ} والشواظ: اللهب الذي لا دخان معه.
وقال مجاهد: الشواظ اللهب الأخضر المتقطع من النار.
وقال الضحاك: هو الدخان الذي يخرج من اللهب ليس بدخان الحطب.
وقال الأخفش، وأبو عمرو: هو النار، والدخان جميعاً. قرأ الجمهور: {شواظ} بضم الشين، وقرأ ابن كثير بكسرها وهما لغتان، وقرأ الجمهور: {ونحاس} بالرفع عطفاً على شواظ، وقرأ ابن كثير، وابن محيصن، ومجاهد، وأبو عمرو بخفضه عطفاً على نار، وقرأ الجمهور {نحاس} بضمّ النون، وقرأ مجاهد، وعكرمة، وحميد، وأبو العالية بكسرها. وقرأ مسلم بن جندب، والحسن: {ونحس}، والنحاس: الصفر المذاب يصبّ على رؤوسهم، قاله مجاهد، وقتادة، وغيرهما.
وقال سعيد بن جبير: هو الدخان الذي لا لهب له، وبه قال الخليل.
وقال الضحاك: هو درديّ الزيت المغلي.
وقال الكسائي هو النار التي لها ريح شديدة، وقيل: هو المهل {فَلاَ تَنتَصِرَانِ} أي: لا تقدران على الامتناع من عذاب الله {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} فإن من جملتها هذا الوعيد الذي يكون به الانزجار عن الشرّ، والرغوب في الخير. {فَإِذَا انشقت السماء} أي: انصدعت بنزول الملائكة يوم القيامة {فَكَانَتْ وَرْدَةً كالدهان} أي: كوردة حمراء. قال: سعيد بن جبير، وقتادة: المعنى فكانت حمراء، وقيل: فكانت كلون الفرس الورد، وهو الأبيض الذي يضرب إلى الحمرة أو الصفرة. قال الفراء، وأبو عبيدة: تصير السماء كالأديم لشدّة حرّ النار.
وقال الفراء أيضاً: شبه تلوّن السماء بتلوّن الورد من الخيل، وشبّه الورد في ألوانها بالدهن واختلاف ألوانه، والدهان جمع دهن، وقيل: المعنى: تصير السماء في حمرة الورد، وجريان الدهن، أي: تذوب مع الانشقاق حتى تصير حمراء من حرارة نار جهنم، وتصير مثل الدهن لذوبانها، وقيل: الدهان الجلد الأحمر.
وقال الحسن {كالدهان}، أي: كصبيب الدهن، فإنك إذا صببته ترى فيه ألواناً.
وقال زيد بن أسلم: إنها تصير كعصير الزيت. قال الزجاج: إنها اليوم خضراء، وسيكون لها لون أحمر. قال الماوردي: وزعم المتقدّمون أن أصل لون السماء الحمرة، وأنها لكثرة الحوائل وبعد المسافة ترى بهذا اللون الأزرق. {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ}، فإن من جملتها ما في هذا التهديد، والتخويف من حسن العاقبة بالإقبال على الخير والإعراض عن الشرّ. {فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْئَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَانٌّ} أي: يوم تنشقّ السماء لا يسأل أحد من الإنس ولا من الجنّ عن ذنبه؛ لأنهم يعرفون بسيماهم عند خروجهم من قبورهم، والجمع بين هذه الآية، وبين مثل قوله: {فَوَرَبّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [الحجر: 92] أن ما هنا يكون في موقف، والسؤال في موقف آخر من مواقف القيامة، وقيل: إنهم لا يسألون هنا سؤال استفهام عن ذنوبهم؛ لأن الله سبحانه قد أحصى الأعمال، وحفظها على العباد، ولكن يسألون سؤال توبيخ وتقريع، ومثل هذه الآية قوله: {وَلاَ يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ المجرمون} [القصص: 78] قال أبو العالية: المعنى: لا يسأل غير المجرم عن ذنب المجرم. وقيل: إن عدم السؤال هو عند البعث، والسؤال هو في موقف الحساب {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} فإن من جملتها هذا الوعيد الشديد؛ لكثرة ما يترتب عليه من الفوائد. {يُعْرَفُ المجرمون بسيماهم} هذه الجملة جارية مجرى التعليل لعدم السؤال. السيما: العلامة. قال الحسن: سيماهم سواد الوجوه وزرقة الأعين، كما في قوله: {وَنَحْشُرُ المجرمين يَوْمِئِذٍ زُرْقاً} [طه: 102] وقال: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} [آل عمران: 106] وقيل: سيماهم ما يعلوهم من الحزن والكآبة {فَيُؤْخَذُ بالنواصى والأقدام} الجار والمجرور في محل رفع على أنه النائب، والنواصي: شعور مقدم الرؤوس، والمعنى: أنها تجعل الأقدام مضمومة إلى النواصي، وتلقيهم الملائكة في النار. قال الضحاك: يجمع بين ناصيته، وقدمه في سلسلة من وراء ظهره، وقيل: تسحبهم الملائكة إلى النار، تارة تأخذ بنواصيهم وتجرّهم على وجوههم، وتارة تأخذ بأقدامهم، وتجرّهم على رؤوسهم {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} فإن من جملتها هذا الترهيب الشديد، والوعيد البالغ الذي ترجف له القلوب، وتضطرب لهوله الأحشاء. {هذه جَهَنَّمُ التى يُكَذّبُ بِهَا المجرمون} أي: يقال لهم عند ذلك: هذه جهنم التي تشاهدونها، وتنظرون إليها مع أنكم كنتم تكذبون بها وتقولون إنها لا تكون، والجملة مستأنفة جواب سؤال مقدّر، كأنه قيل: فماذا يقال لهم عند الأخذ بالنواصي والأقدام؟ فقيل: يقال لهم: هذه جهنم تقريعاً لهم وتوبيخاً. {يَطُوفُونَ بَيْنَهَا} أي: بين جهنم فتحرقهم {وَبَيْنَ حَمِيمٍ ءانٍ} فتصبّ على وجوههم، والحميم: الماء الحارّ، والآن: الذي قد انتهى حرّه وبلغ غايته، كذا قال الفراء، قال الزجاج: أَنَى يأنَى أنَّى، فهو آنٍ: إذا انتهى في النضج والحرارة، ومنه قول النابغة الذبياني:
وتخضب لحية غدرت وخانت *** بأحمر من نجيع الجوف آن
وقيل: هو واد من أودية جهنم يجمع فيه صديد أهل النار، فيغمسون فيه. قال قتادة: يطوفون مرّة في الحميم، ومرّة بين الجحيم {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} فإن من جملتها النعمة الحاصلة بهذا التخويف، وما يحصل به من الترغيب في الخير والترهيب عن الشرّ.
وقد أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ في العظمة، وابن مردويه، والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله: {ذُو الجلال والإكرام} قال: ذو الكبرياء والعظمة.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عنه {يَسْأَلُهُ مَن فِى السموات} قال: مسألة عباده إياه الرزق والموت والحياة كل يوم هو في ذلك.
وأخرج الحسن بن سفيان في مسنده، والبزار، وابن جرير، والطبراني، وأبو الشيخ في العظمة، وابن منده، وابن مردويه، وأبو نعيم، وابن عساكر عن عبد الله بن منيب قال: تلا علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِى شَأْنٍ} فقلنا: يا رسول الله، وما ذلك الشأن؟ قال: «أن يغفر ذنباً، ويفرّج كرباً، ويرفع قوماً، ويضع آخرين».
وأخرج البخاري في تاريخه، وابن ماجه، وابن أبي عاصم، والبزار، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن حبان، والطبراني، وأبو الشيخ في العظمة، وابن مردويه، وابن عساكر، والبيهقي في الشعب عن أبي الدرداء عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في الآية قال: «من شأنه أن يغفر ذنباً، ويفرج كرباً، ويرفع قوماً، ويضع آخرين»، زاد البزار: «ويجيب داعياً» وقد رواه البخاري تعليقاً، وجعله من كلام أبي الدرداء.
وأخرج البزار عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم في الآية قال: «يغفر ذنبا ويفرج كربا».
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثقلان} قال: هذا وعيد من الله لعباده، وليس بالله شغل، وفي قوله: {لاَ تَنفُذُونَ إِلاَّ بسلطان} يقول: لا تخرجون من سلطاني.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه في قوله: {يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مّن نَّارٍ} قال: لهب النار {وَنُحَاسٌ} قال: دخان النار.
وأخرج ابن جرير عنه أيضاً، ونحاس: قال الصفر يعذبون به.
وأخرج ابن أبي حاتم عنه {فَكَانَتْ وَرْدَةً} يقول: حمراء {كالدهان} قال: هو الأديم الأحمر.
وأخرج الفريابي، وسعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه أيضاً {فَكَانَتْ وَرْدَةً كالدهان} قال: مثل لون الفرس الورد.
وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً في قوله: {فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْئَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَانٌّ} قال: لا يسألهم هل عملتم كذا وكذا؟ لأنه أعلم بذلك منهم، ولكن يقول لهم: لم عملتم كذا وكذا؟ وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي في البعث والنشور عنه أيضاً في قوله: {فَيُؤْخَذُ بالنواصى والأقدام} قال: تأخذ الزبانية بناصيته وقدميه، ويجمع فيكسر، كما يكسر الحطب في التنور.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه أيضاً في قوله: {وَبَيْنَ حَمِيمٍ ءانٍ} قال: هو الذي انتهى حرّه.


لما فرغ سبحانه من تعداد النعم الدنيوية على الثقلين ذكر نعمه الأخروية التي أنعم بها عليهم، فقال: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ جَنَّتَانِ} مقامه سبحانه هو الموقف الذي يقف فيه العباد للحساب، كما في قوله: {يَوْمَ يَقُومُ الناس لِرَبّ العالمين} [المطففين: 6] فالمقام مصدر بمعنى القيام، وقيل: المعنى خاف قيام ربه عليه، وهو إشرافه على أحواله، واطلاعه على أفعاله وأقواله، كما في قوله: {أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ على كُلّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} [الرعد: 33] قال مجاهد، والنخعي: هو الرجل يهمّ بالمعصية فيذكر الله، فيدعها من خوفه.
واختلف في الجنتين، فقال مقاتل: يعني: جنة عدن، وجنة النعيم، وقيل: إحداهما التي خلقت له والأخرى ورثها. وقيل: إحداهما منزله والأخرى منزل أزواجه. وقيل: إحداهما أسافل القصور والأخرى أعاليها. وقيل: جنة للخائف الإنسي وجنة للخائف الجنيّ، وقيل: جنة لفعل الطاعة وأخرى لترك المعصية، وقيل: جنة للعقيدة التي يعتقدها وأخرى للعمل الذي يعمله، وقيل: جنة بالعمل وجنة بالتفضل، وقيل: جنة روحانية وجنة جسمانية، وقيل: جنة لخوفه من ربه وجنة لتركه شهوته، وقال الفرّاء: إنما هي جنة واحدة، والتثنية لأجل موافقة الآي. قال النحاس: وهذا القول من أعظم الغلط على كتاب الله، فإن الله يقول: {جَنَّتَانِ} ويصفهما بقوله: {فيهما} إلخ. {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} فإن من جملتها من هذه النعم العظيمة، وهي إعطاء الخائف من مقام ربه جنتين متصفتين بالصفات الجليلة العظيمة {ذَوَاتَا أَفْنَانٍ} هذه صفة للجنتين، وما بينهما اعتراض، والأفنان: الأغصان، واحدها: فنن، وهو الغصن المستقيم طولاً، وبهذا قال مجاهد، وعكرمة، وعطية، وغيرهم.
وقال الزجاج: الأفنان: الألوان واحدها فنّ، وهو الضرب من كل شيء، وبه قال عطاء، وسعيد بن جبير، وجمع عطاء بين القولين، فقال: في كلّ غصن فنون من الفاكهة، ومن إطلاق الفنن على الغصن قول النابغة:
دعاء حمامةٍ تَدعْو هَدِيلا *** مُفَجعَّةٍ على فَنَنٍ تُغَني
وقول الآخر:
ما هاجَ شُوْقُك من هَديل حَمامةٍ *** تَدْعو على فَنَنٍ الغُصون حَمامَا
وقيل: معنى {ذَوَاتَا أَفْنَانٍ}: ذواتا فضل وسعة على ما سواهما، قاله قتادة، وقيل: الأفنان: ظلّ الأغصان على الحيطان، روي هذا عن مجاهد، وعكرمة. {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} فإن كل واحد منها ليس بمحل للتكذيب، ولا بموضع للإنكار. {فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ} هذا أيضاً صفة أخرى لجنتان، أي: في كل واحدة منهما عين جارية. قال الحسن: إحداهما السلسبيل والأخرى التسنيم.
وقال عطية: إحداهما من ماء غير آسن والأخرى من خمر لذة للشاربين، قيل: كلّ واحدة منهما مثل الدنيا أضعافاً مضاعفة. {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} فإن من جملتها هذه النعمة الكائنة في الجنة لأهل السعادة. {فِيهِمَا مِن كُلّ فاكهة زَوْجَانِ} هذا صفة ثالثة لجنتان، والزوجان: الصنفان والنوعان، والمعنى: أن في الجنتين من كلّ نوع يتفكه به ضربين يستلذ بكلّ نوع من أنواعه، قيل: أحد الصنفين رطب، والآخر يابس لا يقصر أحدهما عن الآخر في الفضل والطيب {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} فإن في مجرّد تعداد هذه النعم، ووصفها في هذا الكتاب العزيز من الترغيب إلى فعل الخير، والترهيب عن فعل الشرّ ما لا يخفى على من يفهم، وذلك نعمة عظمى، ومنّة كبرى، فكيف بالتنعم به عند الوصول إليه؟! {مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ} انتصاب {متكئين} على الحال من فاعل قوله: {وَلِمَنْ خَافَ} وإنما جمع، حملاً على معنى من، وقيل: عاملها محذوف، والتقدير: يتنعمون متكئين، وقيل: منصوب على المدح، والفرش جمع فرش، والبطائن: هي التي تحت الظهائر، وهي جمع بطانة.
قال الزجاج: هي ما يلي الأرض، والإستبرق: ما غلظ من الديباج، وإذا كانت البطائن من استبرق، فكيف تكون الظهائر؟ قيل لسعيد بن جبير: البطائن من استبرق فما الظواهر؟ قال: هذا بما قال الله فيه: {فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِىَ لَهُم مّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة: 17] قيل: إنما اقتصر على ذكر البطائن لأنه لم يكن أحد في الأرض يعرف ما في الظهائر.
وقال الحسن: بطائنها من استبرق، وظهائرها من نور جامد.
وقال الحسن: البطائن هي الظهائر، وبه قال الفراء: وقال: قد تكون البطانة الظهارة، والظهارة البطانة لأن كلّ واحد منهما يكون وجهاً، والعرب تقول: هذا ظهر السماء، وهذا بطن السماء لظاهرها الذي نراه، وأنكر ابن قتيبة هذا، وقال: لا يكون هذا إلاّ في الوجهين المتساويين {وَجَنَى الجنتين دَانٍ} مبتدأ وخبر، والجنى: ما يجتنى من الثمار، قيل: إن الشجرة تدنو حتى يجنيها من يريد جناها، ومنه قول الشاعر:
هذا جَناي وخِيَاره فيه *** إِذْ كلُّ جانٍ يَدُهُ إلى فيه
قرأ الجمهور {فرش} بضمتين، وقرأ أبو حيوة بضمة وسكون، وقرأ الجمهور {جنى} بفتح الجيم، وقرأ عيسى بن عمر بكسرها، وقرأ عيسى أيضاً بكسر النون على الإمالة. {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} فإنها كلها بموضع لا يتيسر لمكذب أن يكذب بشيء منها لما تشتمل عليه من الفوائد العاجلة والآجلة. {فِيهِنَّ قاصرات الطرف} أي: في الجنتين المذكورتين. قال الزجاج: وإنما قال: {فيهنّ} لأنه عنى الجنتين، وما أعدّ لصاحبهما فيهما من النعيم، وقيل: فيهنّ أي: في الفرش التي بطائنها من استبرق، ومعنى {قاصرات الطرف}: أنهنّ يقصرن أبصارهنّ على أزواجهنّ لا ينظرن إلى غيرهم، وقد تقدّم تفسير هذا في سورة الصافات. {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَانٌّ} قال الفراء: الطمث: الافتضاض وهو النكاح بالتدمية، يقال: طمث الجارية: إذا افترعها. قال الواحدي: قال المفسرون: لم يطأهن ولم يغشهنّ ولم يجامعهنّ قبلهم أحد.
قال مقاتل: لأنهن خلقن في الجنة، والضمير في {قبلهم} يعود إلى الأزواج المدلول عليه بقاصرات الطرف، وقيل: يعود إلى متكئين، والجملة في محل رفع صفة لقاصرات، لأن إضافتها لفظية، وقيل: الطمث: المسّ، أي: لم يمسسهنّ، قاله أبو عمرو.
وقال المبرد: أي: لم يذللهنّ، والطمث: التذليل، ومن استعمال الطمث فيما ذكره الفراء قول الفرزدق:
دفعن إليَّ لم يُطْمَثْن قَبْلِي *** وهنّ أصَحّ مِنْ بيض النَّعام
وقرأ الجمهور: {يطمثهنّ} بكسر الميم، وقرأ الكسائي بضمها، وقرأ الجحدري، وطلحة بن مصرف بفتحها، وفي هذه الآية بل في كثير من آيات هذه السورة دليل أن الجنّ يدخلون الجنة إذا آمنوا بالله سبحانه، وعملوا بفرائضه، وانتهوا عن مناهيه. {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} فإن في مجرّد هذا الترغيب في هذه النعم نعمة جليلة، ومنة عظيمة، لأن به يحصل الحرص على الأعمال الصالحة، والفرار من الأعمال الطالحة، فكيف بالوصول إلى هذه النعم، والتنعم بها في جنات النعيم بلا انقطاع، ولا زوال. {كَأَنَّهُنَّ الياقوت والمرجان} هذا صفة لقاصرات، أو حال منهنّ، شبههنّ سبحانه في صفاء اللون مع حمرته بالياقوت والمرجان، والياقوت: هو الحجر المعروف، والمرجان قد قدّمنا الكلام فيه في هذه السورة على الخلاف في كونه صغار الدرّ، أو الأحمر المعروف. قال الحسن: هنّ في صفاء الياقوت، وبياض المرجان، وإنما خصّ المرجان على القول بأنه صغار الدرّ؛ لأن صفاءها أشدّ من صفاء كبار الدرّ {فَبِأَىّ الاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} فإن نعمه كلها لا يتيسر تكذيب شيء منها كائنة ما كانت، فكيف بهذه النعم الجليلة والمنن الجزيلة؟ {هَلْ جَزَاء الإحسان إِلاَّ الإحسان} هذه الجملة مقرّرة لمضمون ما قبلها، والمعنى: ما جزاء من أحسن العمل في الدنيا إلاّ الإحسان إليه في الآخرة، كذا قال ابن زيد، وغيره. قال عكرمة: هل جزاء من قال: لا إله إلاّ الله إلاّ الجنة؟ وقال الصادق: هل جزاء من أحسنت إليه في الأزل إلاّ حفظ الإحسان عليه في الأبد؟ قال الرازي: في هذه الآية وجوه كثيرة حتى قيل: إن في القرآن ثلاث آيات في كل واحدة منها مائة قول: إحداها قوله تعالى: {فاذكرونى أَذْكُرْكُمْ} [البقرة: 152] وثانيها: {وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا} [الإسراء: 8] وثالثها: {هَلْ جَزَاء الإحسان إِلاَّ الإحسان}. قال محمد بن الحنفية: هي للبرّ والفاجر: البرّ في الآخرة، والفاجر في الدنيا. {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} فإن من جملتها الإحسان إليكم في الدنيا، والآخرة بالخلق والرزق والإرشاد إلى العمل الصالح، والزجر عن العمل الذي لا يرضاه. {وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ} أي: ومن دون تينك الجنتين الموصوفتين بالصفات المتقدّمة جنتان أخريان، لمن دون أصحاب الجنتين السابقتين من أهل الجنة، ومعنى {من دونهما} أي: من أمامهما، ومن قبلهما، أي: هما أقرب منهما، وأدنى إلى العرش، وقيل: الجنتان الأوليان جنة عدن وجنة النعيم، والأخريان جنة الفردوس وجنة المأوى.
قال ابن جريج: هي أربع جنات: جنتان: منهما للسابقين المقرّبين {فِيهِمَا مِن كُلّ فاكهة زَوْجَانِ} و{عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ}، وجنتان لأصحاب اليمين {فِيهِمَا فاكهة وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} و{فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ} قال ابن زيد: إن الأوليين من ذهب للمقرّبين، والأخريين من ورق لأصحاب اليمين. {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} فإنها كلها حقّ، ونعم لا يمكن جحدها، ثم وصف سبحانه هاتين الجنتين الأخريين، فقال: {مُدْهَامَّتَانِ} وما بينهما اعتراض. قال أبو عبيدة والزجاج: من خضرتهما قد اسودّتا من الزي، وكل ما علاه السواد رياً فهو مدهم. قال مجاهد: مسودّتان، والدهمة في اللغة: السواد، يقال: فرس أدهم، وبعير أدهم: إذا اشتدّت ورقته حتى ذهب البياض الذي فيه. {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} فإن جميعها نعم ظاهرة واضحة لا تجحد ولا تنكر. {فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ} النضخ: فوران الماء من العين، والمعنى: أن في الجنتين المذكورتين عينين فوّارتين. قال أهل اللغة: والنضخ بالخاء المعجمة أكثر من النضح بالحاء المهملة. قال الحسن، ومجاهد: تنضخ على أولياء الله بالمسك، والعنبر، والكافور في دور أهل الجنة، كما ينضخ رشّ المطر.
وقال سعيد بن جبير: إنها تنضخ بأنواع الفواكه، والماء. {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} فإنها ليست بموضع للتكذيب، ولا بمكان للجحد. {فِيهِمَا فاكهة وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} هذا من صفات الجنتين المذكورتين قريباً، والنخل والرمان وإن كانا من الفاكهة لكنهما خصصا بالذكر لمزيد حسنهما، وكثرة نفعهما بالنسبة إلى سائر الفواكه، كما حكاه الزجاج، والأزهري، وغيرهما. وقيل: إنما خصهما لكثرتهما في أرض العرب، وقيل: خصهما لأن النخل فاكهة وطعام، والرمان فاكهة ودواء.
وقد ذهب إلى أنهما من جملة الفاكهة جمهور أهل العلم، ولم يخالف في ذلك إلاّ أبو حنيفة، وقد خالفه صاحباه أبو يوسف، ومحمد. {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} فإن من جملتها هذه النعم التي في جنات النعيم، ومجرّد الحكاية لها تأثر في نفوس السامعين، وتجذبهم إلى طاعة ربّ العالمين {فِيهِنَّ خيرات حِسَانٌ} قرأ الجمهور {خيرات} بالتخفيف، وقرأ قتادة، وابن السميفع، وأبو رجاء العطاردي، وبكر بن حبيب السهمي، وابن مقسم، والنهدي بالتشديد، فعلى القراءة الأولى هي جمع خيرة بزنة فعلة بسكون العين، يقال: امرأة خيرة وأخرى شرّة، أو جمع خيرة مخفف خيرة، وعلى القراءة الثانية جمع خيرة بالتشديد. قال الواحدي: قال المفسرون: الخيرات: النساء خيرات الأخلاق حسان الوجوه. قيل: وهذه الصفة عائدة إلى الجنان الأربع، ولا وجه لهذا، فإنه قد وصف نساء الجنتين الأوليين بأنهنّ قاصرات الطرف. {كَأَنَّهُنَّ الياقوت والمرجان} وبين الصفتين بون بعيد. {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} فإن شيئًا منها كائناً ما كان لا يقبل التكذيب. {حُورٌ مقصورات فِى الخيام} أي: محبوسات، ومنه القصر لأنه يحبس من فيه، والحور: جمع حوراء وهي شديدة بياض العين شديدة سوادها، وقد تقدّم بيان معنى الحوراء، والخلاف فيه.
وقيل: معنى {مقصورات}: أنهنّ قصرن على أزواجهنّ، فلا يردن غيرهم، وحكاه الواحدي عن المفسرين. والأوّل أولى، وبه قال أبو عبيدة، ومقاتل، وغيرهما. قال في الصحاح: قصرت الشيء أقصره قصراً: حبسته، والمعنى: أنهنّ خدّرن في الخيام، والخيام: جمع خيمة، وقيل: جمع خيم، والخيم جمع خيمة، وهي أعواد تنصب وتظلّل بالثياب، فتكون أبرد من الأخبية، قيل: الخيمة من خيام الجنة درّة مجوّفة، فرسخ في فرسخ، وارتفاع {حور} على البدلية من خيرات {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَانٌّ} قد تقدّم تفسيره في صفة الجنتين الأوليين {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} فإنها كلها نعم لا تكفر، ومنن لا تجحد. {مُتَّكِئِينَ على رَفْرَفٍ خُضْرٍ} انتصاب {متكئين} على الحال، أو المدح كما سبق، قال أبو عبيدة: الرّفارف: البسط، وبه قال الحسن، ومقاتل، والضحاك، وغيرهم.
وقال ابن عيينة: هي الزرابي.
وقال ابن كيسان: هي المرافق.
وروي عن أبي عبيدة أنه قال: هي حاشية الثوب.
وقال الليث: ضرب من الثياب الخضر، وقيل: الفرش المرتفعة، وقيل: كل ثوب عريض. قال في الصحاح: والرّفرف: ثياب خضر يتخذ منها المحابس، الواحدة رفرفة.
وقال الزجاج: قالوا الرّفرف هنا: رياض الجنة، وقالوا: الرّفرف: الوسائد، وقالوا: الرّفرف: المحابس ا ه. ومن القائلين بأنها رياض الجنة سعيد بن جبير، واشتقاق الرّفرف من رفّ يرفّ: إذا ارتفع، ومنه رفرفة الطائر، وهي تحريك جناحيه في الهواء. قرأ الجمهور {رفرف} على الإفراد. وقرأ عثمان بن عفان، والحسن، والجحدري: {رفارف} على الجمع {وَعَبْقَرِىّ حِسَانٍ} العبقريّ: الزرابي، والطنافس الموشية. قال أبو عبيدة: كل وشي من البسط عبقريّ، وهو منسوب إلى أرض يعمل فيها الوشي. قال الفراء: العبقريّ. الطنافس الثمان، وقيل: الزرابي، وقيل: البسط، وقيل: الديباج. قال ابن الأنباري: الأصل فيه أن عبقر قرية تسكنها الجنّ ينسب إليها كل فائق. قال الخليل: العبقريّ عند العرب: كل جليل فاضل فاخر من الرجال والنساء، ومنه قول زهير:
بَخَيْل عليها جِنَّةٌ عَبْقَرَيَّةٌ *** جَديرون يوماً أنْ يَنَالوُا فَيَسْتَعلُوا
قال الجوهريّ: العبقر موضع تزعم العرب أنه من أرض الجنّ. قال لبيد:
كهول وشبان كجنة عبقر ***
ثم نسبوا إليه كل شيء تعجبوا من حذقه وجودة صنعته وقوّته، فقالوا: عبقريّ، وهو واحد وجمع. قرأ الجمهور: {عبقريّ} وقرأ عثمان بن عفان، والحسن، والجحدري {عباقريّ} وقرئ: {عباقر} وهما نسبة إلى عباقر اسم بلد.
وقال قطرب: ليس بمنسوب، وهو مثل كرسيّ وكراسي، وبختي وبخاتي. قرأ الجمهور: {خضر} بضم الخاء وسكون الضاد، وقرئ بضمهما، وهي لغة قليلة. {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} فإن كل واحد منها أجلّ من أن يتطرّق إليه التكذيب، وأعظم من أن يجحده جاحد، أو ينكره منكر، وقد قدّمنا في أوّل هذه السورة وجه تكرير هذه الآية فلا نعيده.
{تبارك اسم رَبّكَ ذِى الجلال والإكرام} تبارك. تفاعل من البركة. قال الرّازي: وأصل التبارك من التبرّك، وهو الدوام والثبات، ومنه برك البعير، وبركه الماء فإن الماء يكون دائماً، والمعنى: دام اسمه وثبت أو دام الخير عنده؛ لأن البركة وإن كانت من الثبات لكنها تستعمل في الخير، أو يكون معناه علا وارتفع شأنه. وقيل معناه: تنزيه الله سبحانه وتقديسه، وإذا كان هذا التبارك منسوباً إلى اسمه عزّ وجلّ، فما ظنك بذاته سبحانه؟ وقيل: الاسم بمعنى الصفة، وقيل: هو مقحم كما في قول الشاعر:
إلى الحول ثم اسم السلام عليكما *** ومن يبك حولاً كاملاً فقد اعتذر
وقد تقدّم تفسير {ذي الجلال والإكرام} في هذه السورة. قرأ الجمهور: {ذي الجلال} على أنه صفة للربّ سبحانه. وقرأ ابن عامر {ذو الجلال} على أنه صفة لاسم.
وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ جَنَّتَانِ} قال: وعد الله المؤمنين الذين خافوا مقامه، فأدّوا فرائضه الجنة.
وأخرج ابن جرير عنه في الآية يقول: خاف ثم اتقى، والخائف: من ركب طاعة الله وترك معصيته.
وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ في العظمة عن عطاء أنها نزلت في أبي بكر.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن شوذب مثله.
وأخرج عبد بن حميد عن ابن مسعود في الآية قال: لمن خافه في الدنيا.
وأخرج ابن أبي شيبة، وأحمد، وابن منيع، والحاكم، والترمذي، والنسائي، والبزار، وأبو يعلى، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، وابن مردويه عن أبي الدّرداء: «أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ جَنَّتَانِ} فقلت: وإن زنى، وإن سرق يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم. الثانية: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ جَنَّتَانِ} فقلت: وإن زنى، وإن سرق؟ فقال الثالثة: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ جَنَّتَانِ} فقلت: وإن زنى، وإن سرق؟ قال: نعم، وإن رغم أنف أبي الدّرداء».
وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ جَنَّتَانِ} فقال أبو الدّرداء: وإن زنى، وإن سرق يا رسول الله؟ قال: «وإن زنى وإن سرق، وإن رغم أنف أبي الدّرداء».
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن يسار مولى لآل معاوية عن أبي الدّرداء في قوله: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ جَنَّتَانِ} قال: قيل: لأبي الدّرداء: وإن زنى وإن سرق؟ قال: من خاف مقام ربه لم يزن، ولم يسرق.
وأخرج ابن مردويه عن ابن شهاب قال: كنت عند هشام بن عبد الملك، فقال: قال أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ جَنَّتَانِ} قال أبو هريرة: وإن زنى، وإن سرق؟ فقلت: إنما كان ذلك قبل أن تنزل الفرائض، فلما نزلت الفرائض ذهب هذا.
وأخرج البخاري، ومسلم، وغيرهما عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «جنان الفردوس أربع جنات: جنتان من ذهب حليتهما وأبنيتهما وما فيهما، وجنتان من فضة حليتهما وأبنيتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلاّ رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن».
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن أبي موسى عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ جَنَّتَانِ} وفي قوله: {وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ} قال: «جنتان من ذهب للمقرّبين، وجنتان من وَرِق لأصحاب اليمين».
وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في البعث عن أبي موسى في قوله: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ جَنَّتَانِ} قال: جنتان من ذهب للسابقين، وجنتان من فضة للتابعين.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {ذَوَاتَا أَفْنَانٍ} قال: ذواتا ألوان.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عنه قال: فن غصونها يمسّ بعضها بعضاً.
وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عنه أيضاً قال: الفنّ: الغصن.
وأخرج الفريابي، وعبد بن حميد، وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في البعث عن ابن مسعود في قوله: {مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ} قال: أخبرتم بالبطائن، فكيف بالظهائر.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس أنه قيل: له بطائنها من استبرق، فما الظواهر؟ قال: ذلك مما قال الله {فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِىَ لَهُم مّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة: 17].
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقيّ في البعث عنه في قوله: {وَجَنَى الجنتين دَانٍ} قال: جناها ثمرها، والداني: القريب منك يناله القائم والقاعد.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقيّ في البعث عنه أيضاً في قوله: {فِيهِنَّ قاصرات الطرف} يقول: عن غير أزواجهنّ {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ} يقول: لم يدن منهنّ، أو لم يدمهنّ.
وأخرج أحمد، وابن حبان، والحاكم وصححه، والبيهقي في البعث عن أبي سعيد الخدريّ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله: {كَأَنَّهُنَّ الياقوت والمرجان} قال: «تنظر إلى وجهها في خدرها أصفى من المرآة، وإن أدنى لؤلؤة عليها لتضيء ما بين المشرق والمغرب، وإنه يكون عليها سبعون ثوباً، وينفذها بصره حتى يرى مخّ ساقها من وراء ذلك»
وأخرج ابن أبي شيبة، وهناد بن السريّ، والترمذيّ، وابن أبي الدنيا في صفة الجنة، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن حبان، وأبو الشيخ في العظمة، وابن مردويه عن ابن مسعود عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «إن المرأة من نساء أهل الجنة ليرى بياض ساقها من وراء سبعين حلة حتى يرى مخها، وذلك أن الله يقول: {كأنهنّ الياقوت والمرجان}، فأما الياقوت، فإنه حجر لو أدخلت فيه سلكاً ثم استصفيته لرأيته من ورائه»، وقد رواه الترمذي موقوفاً وقال: هو أصحّ.
وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقيّ في الشعب وضعفه عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: في قوله: {هَلْ جَزَاء الإحسان إِلاَّ الإحسان} قال: «ما جزاء من أنعمت عليه بالتوحيد إلاّ الجنة».
وأخرج الحكيم الترمذيّ في نوادر الأصول، والبغويّ في تفسيره، والديلمي في مسند الفردوس، وابن النجار في تاريخه عن أنس مرفوعاً مثله.
وأخرج ابن مردويه عن جابر مرفوعاً في الآية قال: «هل جزاء من أنعمنا عليه بالإسلام إلاّ أن أدخله الجنة».
وأخرج ابن النجار في تاريخه عن عليّ بن أبي طالب مرفوعاً مثل حديث ابن عمر.
وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {هَلْ جَزَاء الإحسان إِلاَّ الإحسان} قال: هل جزاء من قال لا إله إلاّ الله في الدنيا إلاّ الجنة في الآخرة.
وأخرج ابن عديّ، وأبو الشيخ، وابن مردويه، والديلمي، والبيهقيّ في الشعب، وضعفه عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنزل الله عليّ هذه الآية في سورة الرحمن للكافر والمسلم: {هَلْ جَزَاء الإحسان إِلاَّ الإحسان}» وأخرجه ابن مردويه موقوفاً على ابن عباس.
وأخرج هناد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {مُدْهَامَّتَانِ} قال: هما خضروان.
وأخرج ابن أبي حاتم عنه في الآية قال: قد اسودّتا من الخضرة من الرّيّ من الماء.
وأخرج الفريابي، وابن أبي شيبة، وهناد، وعبد بن حميد، وابن جرير عن ابن عبد الله بن الزبير نحوه.
وأخرج الطبراني، وابن مردويه عن أبي أيوب الأنصاري قال: سألت النبيّ صلى الله عليه وسلم عن قوله: {مُدْهَامَّتَانِ} قال: «خضراوان».
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس {نَضَّاخَتَانِ} قال: فائضتان.
وأخرج عبد بن حميد عنه قال: ينضخان بالماء.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن أبي الدنيا في صفة الجنة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن مسعود في قوله: {خيرات حِسَانٌ} قال: لكل مسلم خيرة، ولكل خيرة خيمة، ولكل خيمة أربعة أبواب يدخل عليها من الله كل يوم تحفة وكرامة وهدية لم تكن قبل ذلك، لا مراحات ولا طماحات، ولا بخرات ولا دفرات، حور عين كأنهن بيض مكنون.
وأخرجه ابن مردويه من وجه آخر عنه مرفوعاً.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {حُورٌ} قال: بيض {مقصورات} قال: محبوسات {فِى الخيام} قال: في بيوت اللؤلؤ.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم قال: الحور سود الحدق.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن مسعود عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «الخيام درّ مجوّف».
وأخرج البخاريّ، ومسلم، وغيرهما عن أبي موسى الأشعري عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: «الخيمة درّة مجوّفة طولها في السماء ستون ميلاً، في كل زاوية منها للمؤمن أهل لا يراهم الآخرون يطوف عليهم المؤمن».
وأخرج الفريابي، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس في قوله: {مُتَّكِئِينَ على رَفْرَفٍ} قال: فضول المحابس والفرش والبسط.
وأخرج عبد بن حميد عن عليّ بن أبي طالب قال: هي فضول المحابس.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن المنذر، والبيهقي في البعث من طرق عن ابن عباس {رَفْرَفٍ خُضْرٍ} قال: المحابس {وَعَبْقَرِىّ حِسَانٍ} قال: الزرابي.
وأخرج عبد بن حميد عنه في الآية قال: الرّفرف: الرّياض، والعبقريّ: الزرابي.